Thursday, April 19, 2012

علوم القرآن


المبحث الأول: المقدمة العامة لعلوم القرآن
المطلب الأول: تعريف علوم القرآن
علوم القرآن يعتبر كفن قائم بذاته مثله مثل (علم النحو)، و(علم البلاغة)، و(علم الفقه). والمقصود ﺑ"علوم القرآن" باعتباره فناً مدوَّناً وعَلَماً هو: "الفن الذي يَبْحث في كل ما يتعلق بالقرآن، من نزوله، وجمعه، وترتيبه، ورسمه، وتفسيره، وقراءته، وإعجازه، ومحكمه ومتشابهه، وأمثاله، وأقسامه، وناسخه ومنسوخه، ومكيه ومدنيه، ودفع الشبه عنه، ونحو ذلك من الأبحاث الكثيرة التي تتعلق بالقرآن الكريم"[1].
        قد يُتَساءل: لماذا سُمِّيَ "علوم القرآن" بصيغة الجمع، لا بالمفرد "علم القرآن"؟ الظاهر أن الأمر يعود إلى تعددية موضوعاته والمؤلفات فيها. فقد كتب بعض العلماء في الناسخ والمنسوخ، وكتب الآخر في أسباب النُّزول، وكتب الثالث في أمثال القرآن، وهكذا استمر الأمر، إلى أن تم تدوين هذه الموضوعات المختلفة في كتاب جامع تحت عنوان "علوم القرآن". ويمكن أن يقال: إن "علوم القرآن" علوم في علم أي أنه علم واحد، يحتوي على خلاصة جميع العلوم المتعلقة بالقرآن، حتى دخل فيه التفسير والقراءات والإعراب والتجويد. غير أنه لم يعرف بعلوم القرآن على أنه علم مستقل قائم بذاته، إلا بعد عصر التدوين، وأصبح هذا العلم له مجاله الخاص، وهو فيما له علاقة مباشرة بعلوم القرآن. فمبحث التفسير في كتب علوم القرآن مثلا يبحث عن تاريخه وتطوره، وعن المفسرين المشتهرين في العصور المختلفة، من غير أن يتعرض إلى تفسير القرآن تفسيراً كاملاً. فعلوم القرآن بهذا المعنى تتركز في المبادئ الأساسية والضوابط العامة والتصورات الكلية لجميع العلوم المتعلقة بالقرآن، وأن هذه المباحث بمثابة المقدمة والمدخل لجميع هذه العلوم المختلفة[2].

المطلب الثاني: أهمية علوم القرآن
علوم القرآن أفضل العلوم لتعلقها بكلام الله، قال r: «‏فَضْلُ كَلاَمِ اللَّهِ عَلَى كَلَامِ خَلْقِهِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ»[3]. ومن أهمية علوم القرآن[4]:
أ- أن علوم القرآن تساعد على دراسة القرآن الكريم وفهمه حق الفهم، واستنباط الأحكام والآداب والمواعظ والعبر والتعاليم منه. وهي مفتاح للمفسر، مثله مثل علوم الحديث بالنسبة للمحدث؛ إذ كيف يتأتَّى لدارس القرآن ومفسره الوصول إلى الصواب والحق، وهو لا يعلم كيف نزل؟ ومتى نزل؟ ولماذا نزل؟ إلى غير ذلك مما يذكر في هذا الفن، فإذا اشتغل بالقرآن بدون معرفته كان عرضة للزلل والخطأ.
ب- أنه وسيلة عملية لحفظ القرآن الكريم والدفاع عنه. إن دارس هذا العلم يتسلح بسلاح قوي يجعله قادرا على إبطال المبطلين ورد شبه المعاندين من أعداء الإسلام.  والدفاع عن القرآن واجب من واجبات على الأمة الإسلامية. وقد قال تعالى: ]إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون[ [الحجر: 9]، ومن تمامه حفظه الدفاع عن القرآن ضد شبهات الأعداء.
ج- إن دارس هذا العلم يكون ذا حظ كبير من الثقافة القرآنية، وما اشتمل عليه القرآن من علوم ومعارف، مما يكون له أحسن الأثر في إصلاح النفس، وتربية الضمير وتهذيب الخلق.
وقال الإمام الزرقاني: "وفائدة هذا العلم ترجع إلى الثقافة العالية العامة في القرآن الكريم، وإلى التسلح بالمعارف القيمة فيه استعداداً لحسن الدفاع عن حمي الكتاب العزيز، ثم إلى سهولة خوض غمار تفسير القرآن الكريم به كمفتاح للمفسرين، فمثله من هذا الناحية كمثل علوم الحديث بالنسبة لمن أراد أن يدرس علم الحديث"[5].


المطلب الثالث: نشأة علوم القرآن
كانت مباحث علوم القرآن من المكي والمدني، ونزول القرآن، والأحرف السبعة، والقراءات، وغيرها معروفة من لدن عهد الرسول r والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. إلا أن استخدام هذه المصطلحات لم تكن معرفة إلاّ مع بداية عصر التدوين. ففي عصر التدوين في القرن الثاني الهجري، بدأ تدوين العلوم المختلفة ومن بينها التفسير. وقد كانت مسائل علوم القرآن جزءا من علم التفسير، فمن المعقول أن تدوين بعض قضايا علوم القرآن قد بدأ في هذا الوقت أيضا[6].
هذا، وقد سجل المؤرخون أن هناك كتباً كثيرة قد كتبت في هذا العصر، وخاصة في الناسخ المنسوخ ورسم المصحف. ويبدو أن ما كتبه عطاء بن مسلم (ت115) في الناسخ والمنسوخ هو أول كتاب في موضوع من موضوعات علوم القرآن. ثم توالت الكتابات في هذا العلم، فكتب بعضهم في المكي والمدني، وآخرون في أسباب النُّزول، والقراءات، وفضائل القرآن، وغيرها من موضوعات هذا العلم[7].
فأول كتاب في علوم القرآن بوصفه علماً مستقلاً قائماً بنفسه، هو كتاب "فنون الأفنان في علوم القرآن" لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (ت597). فقد تحدث فيه عن فضائل القرآن، وكونه غير مخلوق، ونزول القرآن على سبعة أحرف، وكتابة المصحف وهجائه، والمحكم والمتشابه[8]. ثم جاء السخاوي، علم الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد بن عبد الأحد بن عبد الغالب بن غطاس الهمداني المصري المقرئ الشافعي (المولود سنة 558ﻫ، والمتوفى بدمشق سنة 643) فألف كتابا لطيفاً بعنوان "جمال القراء وكمال الإقراء" جمع فيه أنواعا من الكتب المشتملة على ما يتعلق بالقراءات والتجويد والناسخ والمنسوخ والوقف والابتداء وغير ذلك. ولكن أكثر الكتب جمعا وسعة بعد كتاب ابن الجوزي كان كتاب "البرهان في علوم القرآن" للإمام بدر الدين الزركشي (ت794). ثم جاء الحافظ جلال الدين السيوطي (ت911) فكتب كتابه الجامع "الإتقان في علوم القرآن"[9].
وفي عصر النهضة العلمية الحديثة توجه العلماء إلى الكتابة في هذا الفن، ولعل أول كتاب ظهر في هذا العصر كتاب "التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن على طريق الإتقان" للشيخ طاهر الجزائري. ولما جاءت جامعة الأزهر بنظام الدراسة الجديدة سنة 1935م، كتب الشيخ محمد سلامة  كتابه "الفرقان في علوم القرآن"، ثم كتب الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني كتابه "مناهل العرفان في علوم القرآن" عام 1943م، وكان أوسع وأشمل كتاب في علوم القرآن في عصرنا الحاضر، حتى أصبح الكتاب مرجعا أساسيا لطلاب العلم[10].
والجدير بالذكر، أن علوم القرآن نشأت في رحاب التفسير، ثمّ انفصلت عنه ظاهرا، لكنها بقيت موصولة به وتتكاثر معه وتنمو وتكبر. وليس خافيا أن معظم كتب التفاسير ما زالت من المراجع الهامة لعلوم القرآن، حيث بدأت هذه الكتب في غالب الأمر بمقدمة هامة تناولت كثيرا من أصول العلوم القرآنية وتفصيلاتها. ومن أمثلة هذه الكتب: تفسير جامع البيان للإمام الطبري (ت310)، وتفسير معالم التنزيل للإمام البغوي (ت 516)، وتفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي (ت745)، وتفسير الجامع  لأحكام القرآن للإمام القرطبي (ت671)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (ت774)[11].



[1]محمد عبد العظيم الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، تحقيق: فواز أحمد زمرلي، ( بيروت: دار الكتاب العربي، ط1، 1415هـ/1995م) ج۱، ص27؛ وصفية شمس الدين، المدخل إلى دراسة علوم القرآن، (ماليزيا: الجامعة الإسلامية العالمية، ط1، 2006م) ص25.  
[2]الزرقاني، مناهل العرفان، ج۱، ص28؛ صفية شمس الدين، المدخل إلى دراسة علوم القرآن، ص25.  
[3]أخرجه الترمذي في سننه، كتاب فضائل القرآن، رقم2850.
[4]صفية شمس الدين، المدخل إلى دراسة علوم القرآن، ص27.
[5]الزرقاني، مناهل العرفان، ج۱، ص28.  
[6]صفية شمس الدين، المدخل إلى دراسة علوم القرآن، ص28.
[7]فضل حسن عباس، إتقان البرهان في علوم القرآن، (عمان: دار الفرقان، ط1، 1427هـ/1997م) ج1، ص8.
[8]فضل حسن عباس، إتقان البرهان في علوم القرآن، ج1، ص8.
[9]صفية شمس الدين، المدخل إلى دراسة علوم القرآن، ص29.
[10]فضل حسن عباس، إتقان البرهان في علوم القرآن، ج1، ص12.
[11]صفية شمس الدين، المدخل إلى دراسة علوم القرآن، ص30.  

No comments:

Post a Comment