Thursday, April 19, 2012

الشبهات حول الأحرف السبعة والقراءات


المبحث الرابع: الشبهات حول الأحرف السبعة والقراءات السبع والرد عليها

المطلب الأول: الشبهات حول الأحرف السبعة والرد عليها

فقد جاء الإمام الزرقاني بعلاج الشبهات والاتهامات حول الأحرف السبعة بالرد الوافي الشافي عليها، واختارت الباحثة الثلاث منها كما يلي[1]:

الشبهة الأولى: يقولون: إن أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف تثبت الاختلاف في القرآن مع أن القرآن نفسه يرفع الاختلاف عن نفسه إذ يقول: ]أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً[[2]. وذلك تناقض! ولا ندري أيهما يكون الصادق؟!
 الرد عليها: والجواب أن الاختلاف الذي تثبته تلك الأحاديث غير الاختلاف الذي ينفيه القرآن. وهذا كاف في دفع التناقض، فكلاهما صادق!
وبيان ذلك، أن الأحاديث الشريفة تثبت الاختلاف بمعنى التنويع في طرق أداء القرآن والنطق بألفاظه في دائرة محدودة لا تعدو سبعة أحرف وبشرط التلقي فيها كلها عن النبي r.
أما القرآن فينفي الاختلاف بمعنى التناقض والتدافع بين معاني القرآن وتعاليمه مع ثبوت التنويع في وجوه التلفظ والأداء السابق. ومعنى ذلك، أن نزول القرآن على سبعة أحرف لا يلزم منه تناقض ولا تخاذل ولا تضاد ولاتدافع بين مدلولات القرآن ومعانيه وتعاليمه ومراميه بعضها مع بعض. بل القرآن كله سلسلة واحدة متصلة الحلقات، محكمة السور والآيات، متآخذة المبادئ والغايات، مهما تعددت طرق قراءته، ومهما تنوعت فنون أدائه.
        وللمحقق ابن الجزري كلام نفيس يتصل بهذا الموضوع ننقل إليك شيئا منه بقليل من التصرف. إذ يقول: قد تدبرنا اختلاف القراءات فوجدناه لا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها؛ اختلاف اللفظ لا المعنى، الثاني؛ اختلافهما جميعا مع جواز اجتماعهما في شيء واحد، الثالث؛ اختلافهما جميعا مع امتناع جواز اجتماعهما في شيء واحد لكن يتفقان في وجه آخر لا يقتضي التضاد. فأما الأول: فكالاختلاف في ألفاظ الصراط، وعليهم، ويؤوده، والقدس، ويحسب، ونحو ذلك مما يطلق عليه أنه لغات فقط. وأما الثاني: فنحو لفظ مالك وملك في الفاتحة، لأن المراد في القراءتين هو الله تعالى لأنه مالك يوم الدين، وملكه، وكذا ننشزها بالزاي، وننشرها بالراء، لأن المراد بهما هو العظام. وذلك أن الله تعالى أنشرها أي: أحياها وأنشزها أي: رفع بعضها إلى بعض حتى التأمت، فضمن الله المعنيين في القراءتين. وأما الثالث: فنحو قوله تعالى: ]وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ [[3]. قرئ بالتشديد والتخفيف في لفظ كذبوا المبني للمجهول. فأما وجه التشديد، فالمعنى: وتيقن الرسل أن قومهم قد كذبوهم. وأما وجه التخفيف، فالمعنى: وتوهم المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم أي كذبوا عليهم فيما أخبروهم به. فالظن في الأولى يقين والضمائر الثلاثة المرسل. والظن في القراءة الثانية شك والضمائر الثلاثة للمرسل إليهم... ثم قال أيضا: فليس في شيء من القرآن تناف ولا تضاد ولا تناقض. وكل ما صح عن النبي r من ذلك فقد وجب قبوله، ولم يسع أحدا من الأمة رده، ولزم الإيمان به، وأنه كله منزل من عند الله، إذ كل قراءة منها مع الأخرى بمنزلة الآية مع الآية يجب الإيمان بها كلها، واتباع ما تضمنته علما وعملا، ولا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى ظنا أن هذا تعارض.
إلى ذلك أشار عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بقوله: "لا تختلفوا في القرآن ولا تنازعوا فيه فإنه لا يختلف ولا يتساقط. ألا ترون أن شريعة الإسلام واحدة حدودها وقراءتها وأمر الله فيها واحد. لو كان من الحرفين حرف يأمر بشيء، وينهى عنه الآخر، كان ذلك الاختلاف، ولكنه جامع ذلك كله، ومن قرأ قراءة فلا يدعها رغبة عنها فإنه من كفر بحرف منه كفر به كله".

الشبهة الثانية: يقولون: إن هذا الاختلاف في القراءات يوقع في شك وريب من القرآن خصوصا إذا لاحظنا في بعض الروايات معنى تخيير الشخص أن يأتي من عنده باللفظ وما يرادفه أو باللفظ وما لا يضاده في المعنى كحديث أبي بكرة. وفيه كلها شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب نحو قولك: تعال وأقبل وهلم واذهب وأسرع وعجل. جاء بهذا اللفظ من رواية أحمد بإسناد جيد ومثله حديث أبي بن كعب. وأكثر من ذلك ما جاء في فضائل أبي عبيد أن عبد الله بن مسعود أقرأ رجلا: ]إنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّوم طَعَامُ الأثِيم[[4]. فقال الرجل: طعام اليتيم، فردها عليه فلم يستقم بها لسانه. فقال: أتستطيع أن تقول "طعام الفاجر"؟ قال: نعم. قال: فافعل.
الرد عليها: والجواب أن اختلاف القراءات لا يوقع في شك ولا ريب ما دام الكل نازلا من عند الله. وأما هذه الروايات التي اعتمدت عليها الشبهة فلا نسلم أنه يفهم منها معنى تخيير الشخص أن يأتي من تلقاء نفسه باللفظ وما يرادفه أو باللفظ وما لا يضاده في المعنى حتى يوقع ذلك في ريب من هذا التنزيل. بل قصارى ما تدل عليه هذه الروايات أن الله تعالى وسع على عباده خصوصا في مبدأ عهدهم بالوحي أن يقرؤوا القرآن بما تلين به ألسنتهم.
وكان من جملة هذه التوسعة القراءة بمترادفات من اللفظ الواحد للمعنى الواحد مع ملاحظة أن الجميع نازل من عند الله، نزل به الروح الأمين على قلب محمد r، وقرأه الرسول r على الناس على مكث، وسمعوه منه، ثم نسخ الله ما شاء أن ينسخ بعد ذلك، وأبقى ما أبقى لحكمة سامية تستقبلك في مبحث النسخ. يدل على أن الجميع نازل من عند الله تعالى، قوله لكل من المتنازعين المختلفين في القراءة من أصحابه: هكذا أنزلت. وقول كل من المختلفين لصاحبه: أقرأنيها رسول الله r وقول الله تعالى لرسوله جوابا لمن سأله تبديل القرآن: ]قل ما يكون لي أن أبدله من تلقائ نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلى إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم[[5]. وليس بعد كلام الله ورسوله كلام.
كذلك أجمعت الأمة على أنه لا مدخل لبشر في نظم هذا القرآن لا من ناحية أسلوبه ولا من ناحية ألفاظه بل ولا من ناحية قانون أدائه فمن يخرج على هذا الإجماع ويتبع غير سبيل المؤمنين يوله الله ما تولى ويصله جهنم وساءت مصيرا. وها نحن أولاء قد رأينا القرآن في تلك الآية يمنع الرسول من محاولة ذلك منعا باتا مشفوعا بالوعيد الشديد ومصحوبا بالعقاب الأليم. فما يكون لابن مسعود ولا لأكبر من ابن مسعود بعد هذا أن يبدل لفظا من ألفاظ القرآن بلفظ من تلقاء نفسه...
أما هذه الرواية المنسوبة إلى ابن مسعود من أنه أقرأ الرجل بكلمة الفاجر بدلا من كلمة الأثيم في قول الله تعالى: ]إنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيم[[6]. فتدل على أن ابن مسعود سمع الروايتين عن رسول الله r. ولما رأى الرجل قد تعسر عليه النطق بالأولى أشار عليه أن يقرأ بالثانية وكلاهما منزل من عند الله.
وكذلك حديث أبي بكرة السابق لا يدل على جواز تبديل الشخص ما شاء من القرآن بما لا يضاده كما زعم الواهم إنما ذلك الحديث وأشباهه من باب الأمثال التي يضربها الرسول للحروف التي نزل عليها القرآن ليفيد أن تلك الحروف على اختلافها ما هي إلا ألفاظ متوافقة مفاهيمها متساندة معانيها لا تخاذل بينها ولا تهافت ولا تضاد ولا تناقض ليس فيها معنى يخالف معنى آخر على وجه ينفيه ويناقضه كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضدها
 وتلك الأحاديث بهذا الوجه تقرير لأن جميع الحروف نازلة من عند الله ]وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيرًا[[7].
وهاك برهانا آخر ذكره صاحب التبيان في مثل هذا المقام إذ يقول: إن النبي r علّم البراء بن عازب دعاءً فيه هذه الكلمة: ونبيك الذي أرسلت. فلما أراد البراء أن يعرض ذلك الدعاء على رسول الله r قال: ورسولك الذي أرسلت. فلم يوافقه النبي على ذلك بل قال له: لا، ونبيك الذي أرسلت. وهكذا نهاه عليه الصلاة والسلام أن يضع لفظة رسول موضع لفظة نبي مع أن كليهما حق لا يحيل معنى إذ هو رسول ونبي معا.
ثم قال: فكيف يسوغ للجهال المغفلين أن يقولوا إنه عليه الصلاة والسلام كان يجيز أن يوضع في القرآن الكريم مكان عزيز حكيم غفور رحيم أو سميع عليم. وهو يمنع من ذلك في دعاء ليس قرآنا، والله يقول مخبرا عن نبيه: ]مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلُهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي[[8]. ولا تبديل أكثر من وضع كلمة مكان أخرى.

الشبهة الثالثة: يقولون: إن نزول القرآن على سبعة أحرف ينافي ما هو مقرر من أن القرآن نزل بلغة قريش وحدها. ثم إنه يؤدي إلى ضياع الوحدة التي يجب أن تسود الأمة الواحدة بسبب اجتماعها على لسان واحد.
 الرد عليها: والجواب أنه لا منافاة ولا ضياع للوحدة فإن الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن الكريم واقعة كلها في لغة قريش. ذلك أن قريشا كانوا قبل مهبط الوحي والتنزيل قد داوروا بينهم لغات العرب جميعا وتداولوها وأخذوا ما استملحوه من هؤلاء وهؤلاء في الأسواق العربية ومواسمها ووقائعها وحجها وعمرتها ثم استعملوه وأذاعوه بعد أن هذبوه وصقلوه. وبهذا كانت لغة قريش مجمع لغات مختارة منتقاة من بين لغات القبائل كافة. وكان هذا سببا من أسباب انتهاء الزعامة إليهم واجتماع أوراع العرب عليهم.
ومن هنا شاءت حكمة الحكيم العليم أن يطلع عليهم القرآن من هذا الأفق وأن يطل عليهم من هذه السماء سماء قريش ولغتها التي أعطوها مقادتهم وولوا شطرها وجوههم فخاطبهم بهذا اللسان العام لهم ليضم نشرهم ولينظم نثرهم. وقد تم له ما أراد بهذه السياسة الرشيدة التي جاءتهم بالإعجاز البياني عن طريق اللغة التي انتهت إليها أفصح اللغات وباللسان الذي خضعت له وتمثلت فيه كافة الألسنة العربية.
        ولو نزل القرآن بغير لغة قريش هذه لكان مثار مشاحنات وعصبيات ولذهب أهل كل قبيلة بلغتهم ولعلا بعضهم على بعض ولما اجتمع عليه العرب أبدا. بل لو نزل القرآن بغير لغة قريش لراجت شبهتهم وافتراؤهم عليه أنه سحر وكهانة وما إليها نظرا إلى أنه قد دخل عليهم من غير بابهم فلا يستطيعون القضاء فيه ولا إدراك الفوارق البعيدة بينه وبين الحديث النبوي مما يجعلهم يذوقون الإعجاز ويلمسونه كما تذوقوه بوضوح حين نزل بلسانهم ]إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم[[9].

المطلب الثاني: الشبهات حول القراءات السبع والرد عليها
فقد جاء الإمام الزرقاني بعلاج الشبهات والاتهامات حول القراءات السبع بالرد الوافي الشافي عليها، واختارت الباحثة الثلاث منها كما يلي[10]:
الشبهة الأولى: يقولون: إن التواتر في جميع القرآن غير مسلم لأن الدواعي التي ذكرتموها في دليل تواتره لا تتوافر في جميع أجزاء القرآن، وآية ذلك أن البسملة على رأي من يجعلها من القرآن لا يجري فيها التحدي ولا يتحقق فيها أنها أصل لأحكام حتى يكون ذلك من الدواعي المتوافرة على نقلها وتواترها.
الرد عليها: ونجيب أولا، بأن التحدي يجري فيها باعتبار انضمامها إلى غيرها من آيتين أخريين ليتألف من الجميع ثلاث آيات يقوم بهن الإعجاز. وذلك كاف في أن يكون من دواعي الاعتناء بها ونقلها تواترا.
ثانيا، أنه يتعلق بنظمها تلك الأحكام المعروفة من أن لقارئها أجرا عظيما إن كان طاهرا ووعيدا شديدا إن كان جنبا وقرأها بقصد القرآنية أو مسها ونحو ذلك. وهذا من الدواعي المتوافرة على نقلها وتواترها.

الشبهة الثانية: يقولون: لو كان القرآن متواترا لوقع التكفير في البسملة على معنى أن من يقول بقرآنيتها يحكم بكفر منكرها ومن لا يقول بقرآنيتها يحكم بكفر مثبتها. وعلى ذلك يكفر المسلمون بعضهم بعضا.
الرد عليها: والجواب أن قرآنية البسملة في أوائل السور اجتهادية مختلف فيها، وكل ما كان من هذا القبيل لا يكفر منكره ولا مثبته شأن كل أمر اجتهادي. إنما يكفر من أنكر متواترا معلوما من الدين بالضرورة. وقرآنية البسملة في أوائل السور ليست متواترة معلومة من الدين بالضرورة.
أما منكر البسملة التي في قصة كتاب سليمان من سورة النمل، فهو كافر قطعا لأن قرآنيتها متواترة معلومة من الدين بالضرورة، ولا خلاف بين المسلمين في قرآنيتها حتى يكفر بعضهم بعضها كما يزعم أولئك المعترضون.
الشبهة الثالثة: يقولون: إن استدلالكم على تواتر القرآن بتوافر الدواعي على نقله منقوض بالسنة النبوية فإنها غير متواترة، مع ذلك تتوافر الدواعي على نقلها فإنها أصل الأحكام كما أن القرآن أصل الأحكام.
الرد عليها: ونجيب أولا، بأن توافر الدواعي على نقل القرآن متواترا لم يجئ من ناحية أصالة الأحكام فحسب، بل جاء منها ومن نواحي الإعجاز والتحدي والتعبد بتلاوته والتبرك به في كل عصر وقراءته في الصلاة ونحو ذلك، والسنة النبوية لا يجتمع فيها كل هذا، بل يوجد فيها بعضه فقط وذلك لا يكفي في توافر الدواعي على نقلها متواترة.
ثانيا، أن المراد بأصالة الأحكام الفرد الكامل الذي لا يوجد إلا في القرآن، ذلك لأن أصالة الأحكام فيه ترجع إلى اللفظ والمعنى جميعا، أما المعنى فواضح، وأما اللفظ فمن ناحية الحكم بإعجازه وبثواب من قرأه، وبالوعود الكريمة والعطايا العظيمة لمن حفظه وبالوعيد الشديد لمن نسيه بعد حفظه، ولمن مسه أو قرأه جنبا إلى غير ذلك، والسنة النبوية ليس للفظها شيء من هذه الأحكام. ولهذا تجوز روايتها بالمعنى، أما معناها فإن كان مما تتوافر الدواعي على نقله وجب تواتره وإلا فلا.
خاتمة

وفي ختام هذا البحث وخلاصة القول، يجدر بالباحثة أن تقدم ملخصاً لهذا البحث:

أ- إن علوم القرآن تتركز في المبادئ الأساسية والضوابط العامة والتصورات الكلية لجميع العلوم المتعلقة بالقرآن، وأن هذه المباحث بمثابة المقدمة والمدخل لجميع هذه العلوم المختلفة. فالأحرف السبعة والقراءات السبع من المباحث المهمة في علوم القرآن.

ب- وهناك فرق كبير بين القراءات السبع والأحرف السبعة، فالأحرف السبعة ليست هي القراءات السبع المشهورة كما ظنها بعض الناس. والفرق بين الأحرف السبعة والقراءات السبع يتجلى في النواحي الخمس: من ناحية مؤسسهما، وناحية طبيعتهما، وناحية عددهما، وناحية عمومها وخصوصها، وناحية نشأتهما.
 
ج- وهناك الشبهات والاتهامات التي أثيرت من قبل أعداء الإسلام، فلا بد علينا أن نعالج هذه الشبه والتهم بما أيدينا من أنوار العلم وأسلحة الحجج.

وتم البحث إلى هنا وأن الحمد لله رب العالمين.







قائمة بأسماء المصادر والمراجع

ابن تيمية، أحمد بن حليم. (1405هـ/1985م). مقدمة في أصول التفسير (ط3). بيروت: دار القلم.
ابن الجزري، محمد بن محمد. (د.ت.). النشر في القراءات العشر (د.ط.). علي محمد الضباع (تحقيق). بيروت: دار الفكر.
ابن منظور، جمال الدين حمد بن مكرم الإفريقي المصري. (د.ت.). لسان العرب (ط3). أمين محمد عبد الوهاب ومحمد الصادق العبيدي (اعتناء). بيروت: دار إحياء التراث العربي.
أبو حيان، محمد بن يوسف. (۱٤٠٣ﻫ/۱٩٨٦م). تفسير البحر المحيط (د.ط.). د.م.: دار الفكر.
إسماعيل، شعبان محمد. (1429هـ/2008م). القراءات أحكامها ومصدرها (ط4). القاهرة: دار السلام.
البخاري، محمد بن إسماعيل. (1423هـ-/2002م). صحيح البخاري (ط1). بيروت: دار ابن كثير.
الحبش، محمد. (1419هـ/1999م). القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني والأحكام الشرعية (ط1). بيروت: دار الفكر.
الداني، أبو عمرو. (1408هـ/1988م). الأحرف السبعة للقرآن (ط1). عبد المهيمن طحان (تحقيق). مكة المكرمة: مكتبة المنارة.
ديب البغا، مصطفى، وديب متو، محي الدين. (1418هـ/1998م). الواضح في علوم القرآن (ط2). دمشق: دار الكلم الطيب.
الزرقاني، محمد عبد العظيم. (1415هـ/1995). مناهل العرفان في علوم القرآن (ط1).  بيروت: دار الكتاب العربي.
الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد الله. (د.ت.). البرهان في علوم القرآن (د.ط.).  بيروت: منشورات مكتبة المصرية.
سيكو، كوليبالي. طبيعة الاختلاف بين القراء العشرة وبيان ما انفرد بقراءته كل منهم من خلال إعراب القرآن وتفسيره. رسالة جامعية من درجة التخصص العالي (ماجستير).  www.zawiah.com/kitab/al_ikhtilaf%20alqurra.doc  موجود في الإنترنيت بتاريخ 1 أغسطس 2009م.
السيوطي، عبد الرحمن بن أبو بكر. (1404هـ). الإتقان في علوم القرآن (ط3). مصطفى ديب البغا (تعليق). بيروت: المكتبة الإسلامية.
الشبكة الإسلامية. القراءات القرآنية. www.quranway.net موجود في الإنترنيت بتاريخ 12 يناير 2011م.
شحاته، عبد الله محمود. (2002م). علوم القرآن  (د.ط.). القاهرة: دار غريب.
شكري، أحمد خالد، والقضاة، أحمد محمد مفلح، ومنصور، محمد خالد. (1422هـ/2001م).  مقدمات في علم القراءات (ط1). عمان: دار عمار.
صفية شمس الدين. (2006م). المدخل إلى دراسة علوم القرآن (ط1).  ماليزيا: الجامعة الإسلامية العالمية.
الطويل، السيد رزق. (1405هـ/1985م). في علوم القراءات (ط1). مكة: مكتبة الفيصلية.
عباس، فضل حسن. (1427هـ/1997م). إتقان البرهان في علوم القرآن (ط1). عمان: دار الفرقان.
الفضلي، عبد الهادي. (1405هـ/1985م). القراءات القرآنية تاريخ وتعريف (ط3). بيروت: دار القلم.
القطان، مناع. (1411هـ/1991م). نزول القرآن على سبعة أحرف (ط1). القاهرة: مكتبة وهبة.



[1]الزرقاني، مناهل العرفان، ج۱، ص153-157.  
[2]النساء: 82.
[3]يوسف: 110.
[4]الدخان: 43-44.
[5]يونس: 15.
[6]الدخان: 43-44.
[7]النساء: 82.
[8]يونس: 15.
[9]يوسف: 100.
[10]الزرقاني، مناهل العرفان، ج۱، ص381-383.  

القراءات السبع


المبحث الثالث: القراءات السبع
المطلب الأول: تعريف القراءات وأنواع القراءات
القراءات لغة: القراءات جمع ومفردها القراءة. وتدور هذه الكلمة في كثير من القواميس تحت مادة (ق، ر، أ)  بمعنى الجمع والاجتماع. فقرأ، يقرأ، قراءة؛ وهي مصدر قرأ بمعنى تلا، ويقال: قرأ، يقرأ، قراءةً وقرآناً فهو قارئ[1].
أما اصطلاحاً  فلها تعريفات عديدة، منها:
1- تعريف الإمام أبي حيان الأندلسي: "وقولنا: يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، هذا هو علم القراءات"[2].
2-  تعريف الإمام الزركشي: "والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكورة في كتابة الحروف أو كيفياتها من تخفيف وتثقيل وغيرهما"[3].
3- تعريف الإمام الزرقاني: "مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراء مخالفاً به غيره في النطق بالقرآن الكريم مع اتفاق الروايات والطرق عنه سواء كانت هذه المخالفة في نطق الحروف أم في نطق هيئاتها"[4].
4- تعريف السيد رزق الطويل: "هو وجوه مختلفة في الأداء من النواحي الصوتية، أو التصريفية، أو النحوية"[5].
وجرى إطلاق السلف لفظة "قراءة" للتعبير عن صنيع القراء في أداء نص القرآن المجيد"[6] بحيث إذا أضيفت كلمة "قراءة" إلى واحدٍ من أعلام القراءة، تدل على منهج معين لهذا القارئ في التلقي والأداء أو في فرش[7] بعض الحروف وأصولها[8]. فعلم القراءات هو العلم بكيفية أداء كلمات القرآن الكريم واختلافها، منسوبة لناقلها[9]. وإن معنى إضافة كل القراءات إلى أئمة القراءة بالأمصار أن ذلك القارئ وذلك الإمام اختار القراءة بذلك الوجه من اللغة، وآثره على غيره، وداوم عليه، ولزمه حتى اشتهر وعرف به، وقُصِد فيه، وأُخِذ عنه، فلذلك أضيف إليه دون غيره من القراء، وهذه الإضافة إضافة اختيار ودوام ولزوم، لا إضافة اختراع ورأي واجتهاد[10].  
والقراءات التي وصلت إلينا بطريق متواتر عشر قراءات، نقلها إلينا مجموعة من القراء امتازوا بدقة الرواية وسلامة الضبط، وجودة الإتقان، وهم:
1. قراءة نافع المدني، وأشهر من روى عنه قالون و ورش.
2. قراءة ابن كثير المكي، وأشهر من روى عنه البَزي و قُنْبل .
3. قراءة أبي عمرو البصري، وأشهر من روى عنه الدوري و السوسي .
4. قراءة ابن عامر الشامي، وأشهر من روى عنه هشام و ابن ذكوان .
5. قراءة عاصم الكوفي، وأشهر من روى عنه شعبة و حفص .
6. قراءة حمزة الكوفي، وأشهر من روى عنه خَلَف و خلاّد .
7. قراءة الكِسائي الكوفي، وأشهر من روى عنه أبو الحارث ، و حفص الدوري .
8. قراءة أبي جعفر المدني، وأشهر من روى عنه ابن وردان و ابن جُمَّاز .
9. قراءة يعقوب البصري، وأشهر من روى عنه رُوَيس و رَوح .
10. قراءة خَلَف ، وأشهر من روى عنه إسحاق و إدريس .
وكل ما نُسب لإمام من هؤلاء الأئمة العشرة، يسمى (قراءة) وكل ما نُسب للراوي عن الإمام يسمى (رواية) فتقول مثلاً: قراءة عاصم براوية حفص، وقراءة نافع برواية ورش، وهكذا[11].


أنواع القراءات
أولا: أنواع القراءات من حيث السند:
"بين الإمام ابن الجزري أن أنواع القراءات من حيث السند ستة:
الأول: المتواتر: وهو ما رواه جمع عن جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب عن مثلهم.
مثاله: ما اتفقت الطرق في نقله عن السبعة، وهذا الغالب في حروف القرآن.
الثاني: المشهور: وهو ما صح سنده بأن رواه العدل الضابط عن مثله وهكذا، ووافق العربية، ووافق أحد المصاحف العثمانية، سواء أكان عن الأئمة السبعة أم العشرة أم غيرهم من الأئمة المقبولين، واشتهر عند القراء فلم يعدوه من الغلط، ولا من الشذوذ؛ إلا أنه لم يبلغ درجة المتواتر.
مثاله: ما اختلف في نقله عن السبعة فرواه بعض الرواة عنهم دون بعض.
الثالث: الصحيح: وهو ما صح سنده وخالف الرسم، أو العربية، أو لم يشتهر الاشتهار المذكور. وهذا النوع لا يقرأ به ولا يجب اعتقاده.
الرابع: الشاذ: وهو ما لم يصح سنده.
الخامس: الموضوع: وهو ما نسب إلى قائله من غير أصل.
السادس: الشبيه بالمدرج: ما يشبه المدرج من أنواع الحديث، وهو ما زيد في القراءات على وجه التفسير"[12].
ثانيا: أنواع القراءات من حيث توفرها على الأركان الثلاثة للقراءة وهي (صحة السند مع التواتر، وموافقة العربية، ومطابقة رسم المصحف العثماني).
قسم الدكتور عبد الهادي الفضلي أنواع القراءات إلى ثلاثة أقسام:
1.   المتواترة: القراءة المقطوع باتصالها بالنبي r. ويعرفها ابن الجزري بقوله: "كل قراءة وافقت العربية مطلقاً، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو تقديراً، وتواتر نقلها، هذه القراءة المتواترة، المقطوع بها".
2.   الآحادية: القراءة الجامعة للأركان الثلاثة، ولم يبلغ نقلها مستوى تفيد معه القطع باتصاله بالنبي r.
3.   الشاذة: القراءة فقدت واحداً من الأركان الثلاثة المذكورة[13].

ونبه الإمام الزرقاني بأن القراءة لا تكون قرآنا إلا إن كانت متواترة لأن التواتر شرط في القرآنية، وأن القراءات العشر الذائعة في هذه العصور متواترة على التحقيق الآنف وإذن هي قرآن، وكل واحدة منها يطلق عليها أنها قرآن. أما ما وراء القراءات العشر مما صحت روايته آحادا، ولم يستفض، ولم تتلقه الأمة بالقبول، شاذ وليس بقرآن، وإن وافق رسم المصحف وقواعد العربية[14].

المطلب الثاني: نشأة القراءات وتسبيع السبعة
قد أجمع أهل العلم على أن القرآن الكريم نُقل إلينا عن النبي r بروايات متعددة متواترة. وكان رسول الله r يراعي لهجات القبائل العربية في النطق واللفظ، وذلك من فضل الله على الأمة ومن توسعته لها، حيث أنزل الله سبحانه القرآن على سبعة أحرف. وبعد وفاة الرسول r احتفى المسلمون بقراءة القرآن وضبطه في كل العصور، واشتهر في كل زمن من الأزمنة وجيل من الناس وبلد من البلدان أناس عرفوا باسم القُرّاء. كان أشهرهم في عهد الصحابة: الخلفاء الأربعة وأبيُّ بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود وابن عباس وأبو موسى الأشعري. وعنهم أخذ كثير من الصحابة والتابعين في الأمصار. وكلهم يسند إلى رسول الله r. وفي عهد التابعين اشتهر كثير من الفضلاء بالقراءة، وكانوا منتشرين في المدن والأمصار. ولكن عصر ما بعد التابعين شهد توسعاً في كل العلوم الإسلامية إلى الحد الذي دعا إلى تخصص كل عالم بعلم. وهذا ما كان بخصوص علم القراءة، فقد ظهر في هذا الجيل الأئمة القراء الذين تنسب إليهم القراءات السبع الشهيرة المتواترة. وأول من جمع القراءات في كتاب هو أبو عبيد القاسم بن سلام (ت234)، وجعل القراءات نحواً من عشرين قراءة. ثم توالى بعده أئمة مؤلفون، جمعوا القراءات في كتب، منهم من جعلها عشرين، ومنهم من زاد عليهم، ومنهم من نقص[15].
وبين الدكتور عبد الهادي نشأة القراءات في ستة عشر مرحلة، وباختصار كما يلي: المرحلة الأولى: بدء نزول الوحي، والمرحلة الثانية: إقراء النبي r للمسلمين، والمرحلة الثالثة: إقراء المسلمين، والمرحلة الرابعة: ظهور جماعة القراء، والمرحلة الخامسة: استظهار القرآن، والمرحلة السادسة: التلمذة، والمرحلة السابعة: القراء من الصحابة، والمرحلة الثامنة: مبعوثو عثمان بن عفان t، والمرحلة التاسعة: قراء الأمصار، والمرحلة العاشرة: التخصص في القراءة، والمرحلة الحادية عشرة: التأليف في القراءة، والمرحلة الثانية عشرة: تسبيع السبعة، والمرحلة الثالثة عشرة: الاحتجاج للقراءات، والمرحلة الرابعة عشرة: التأليف في السبع، والمرحلة الخامسة عشرة: تفريد القراءات، والمرحلة السادسة عشرة: تطور المقياس القرآني[16].
تسبيع السبعة:
قال الدكتور عبد الهادي الفضلي: "في هذه المرحلة كان تسبيع السبعة والاقتصار على جمع قراءاتهم في مؤلف خاص، وكان ذلك من قبل أبي بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي البغدادي (ت 324هـ) في كتابه "قراءات السبعة"... وهناك أمر مهم دعا إلى ما قام به ابن مجاهد من تسبيع السبعة وهو؛ الحفاظ على منهج القراءات القرآنية، لئلا تخرج عن طريق النقل الموثوق به إلى النقل المشكوك فيه، أو عن طريق الرواية والنقل عن الرسول r إلى طريق الاجتهادات الشخصية. وأما المقياس الذي اتبعه ابن مجاهد في اختياره قراءات السبعة فهو: أن يكون القارئ مجمعاً على قراءته من قبل أهل مصره، وأن يكون إجماع أهل مصره على قراءته قائماً على أساس من توفره على العلم بالقراءة واللغة توفراً يدل على أصالة وعمق"[17].
وقال محمد الحبش: "وفي الحقيقة لم يكن ابن مجاهد يبحث عن قراءات سبع، ولا عن سبعة قرَّاء حينما اتجه ببحثه هذا، غاية ما في الأمر أنه كان يبحث عن المتواتر، وصادف أنه لم يجتمع لديه من أسانيد التواتر بالشروط المعتبرة إلا سبعة، فضبطها، وحرَّرها ودوَّن أصولها وفرشها، والظاهر أنه صنف أولاً سبعة كتب كل كتاب في قراءة، وكلما ثبت عنده تواتر قراءة، أفردها بكتاب، حتى إذا اكتمل لديه الاختيار صنف كتابه الشهير :السبعة في القراءات"[18].
وقال كوليبابي سيكو: "اقتصر فيه على بيان قراءة سَبْعٍ من القراء، وبيَّن فيه طرقهم ورواتهم ورجال سندهم المتَّصلِ إلى رسول الله r. فكانت القراءات السبع من اختيار ابن مجاهد، الأمر الذي أدَّى إلى التَّسْبِيع فيما بعد، حتى اعتقد الناس أن القراءات السبع هي الأحرف السبعة التي وردت في الحديث الصحيح: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف"، وهو غلظٌ وبعيدٌ عن الصواب... وفي مطلع القرن التاسع، يبلغ المحقِّقُ الكبيرُ الإمام محمد بن الجزري منزلةً فريدةً في مرجعية الإقراء، فيعيد على بِساط البحث مسألة القراءات الثلاث، التي كان الناس يختلفون في تواترها طوال خمسة قرون تقريباً، منذ تسبيع ابن مجاهد، حتى عصر ابن الجزري، والقراءات الثلاث هذه لأبي جعفر ويعقوب وخلف. فيقوم الإمام ابن الجزري بإثبات تواتر أسانيدها بالحجج الواضحة، ثم ينظم من البحر الطويل كتابًا على نهج الشاطبية أسماه : "الدُّرَّة المضيَّة في القراءات الثلاث تتمة العشر" ثم صنف كتابه الشهير : "النشر في القراءات العشر"، استدرك فيه على الإمام الشاطبي أوجُهًا أخرى للأئمة السبعة، لم يشر إليها في كتابه "حرز الأماني ووجهه التهاني"[19].

المطلب الثالث: الفرق بين القراءات السبع والأحرف السبعة
        هناك فرق كبير بين القراءات السبع والأحرف السبعة، فالأحرف السبعة ليست هي القراءات السبع المشهورة كما ظنها بعض الناس. فمن المهم في هذا البحث أن نفرق بينهما تفريقاً ونميز بينهما تمييزاً.
إن الأحرف السبعة معروفة منذ عهد النبي r، ووردت الأحاديث الكثيرة عنها، ومن أشهرها: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه"[20]. فالعلماء قد اختلفوا في معنى الأحرف السبعة على نحو أربعين قولاً[21]. وذهب بعض العلماء ومن أشهرهم الإمام ابن جرير الطبري بأنها سبع لغات نزل بها القرآن الكريم. ويترتب من أخذ هذا التعريف أن يكون الثابت الآن في القرآن الكريم هو حرف واحد وهو حرف قريش دون غيره. ويؤيد ذلك، أن عثمان بن عفان t حين جمع القرآن في المصحف العثماني وأحرق الأحرف الستة الباقية، وإنما أراد بذلك توحيد الأمة الإسلامية بعد أن اختلف الناس في البلدان اختلافاً شديداً[22]. فلذلك، إن هذا الحرف الواحد (حرف قريش) يتضمن فيه القراءات السبع والقراءات العشر جميعها.
فالقراءات السبع هي كيفية النطق بالقرآن التي نسبت إلى سبعة قراء، أما الأحرف السبعة عند جماهير القراء ومن أشهرهم الإمام الرازي والإمام ابن الجزري قالوا بأنها الأوجه السبعة التي لا يخرج عنها الاختلاف في القراءات وهي: اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث، واختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر، واختلاف وجوه الإعراب، والاختلاف بالنقص والزيادة، والاختلاف بالتقديم والتأخير، والاختلاف بالإبدال، واختلاف اللهجات كالفتح والإمالة والتفخيم والترقيق والإظهار والإدغام[23].
وإن الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن توقيفي. وهذا بمعنى أن مرجع هذه الأحرف إلى الله تعالى، أوحاه إلى النبي r بواسطة جبريل u، ثم أنها مأخوذة بالتلقي عن رسول الله r. فلا سبيل لبشر أن يزيد أو ينقص منها، ولا مجال فيه للرأي والاجتهاد. أما القراءات السبع إنما عرفت واشتهرت في القرن الرابع الهجري على يد الإمام ابن مجاهد (ت 324هـ). فهو قد اجتهد في جمع سبع قراءات للأئمة المشهورين في القراءة[24]. فقال الإمام ابن تيمية (ت 728هـ): "لا نزاع بين العلماء المعتبرين أن الأحرف السبعة التي ذكر النبي r أن القرآن أنزل عليها ليست هي قراءات القراء السبعة المشهورة، بل أول من جمع قراءات هؤلاء هو الإمام أبو بكر بن مجاهد"[25].
وقال كوليبالي سيكو تنبيهاً: "ليس للأئمة القراء العشرة أدنى اجتهاد أو تحكم في نص من نصوص القرآن أصولاً وفرشًا كما يتوهمه بعض الناس، بل إن مهمتهم تنحصر في ضبط الرواية وتوثيق النقل والإقراء، والتخصص بنوع من أنواع القراءة التي سمعوها مشافهة عن أصحاب النبي e وتابعيهم، فنسبة القراءات إليهم على سبيل الضبط والتوثيق والإقراء والتخصص، لا على سبيل الإنشاء أو الابتكار أو الاجتهاد: ]قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِْنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا[[26]. ثمَّ إن هذا الإنزال المؤزَّر على الحرف السبعة كان توسعةً من الله ورحمة على الأمة الإسلامية عرباً وعجماً، وإعجازًا للبشر جميعاً، وتحدِّيًا لهم في الإتيان بمثله، وليس لأجل أن يختلف الناس ويتفرقوا في شدة البحث عن معنى الأحرف السبعة، بل ليدبروا آياته، وليقيموا حروفه كما أنزل متواتراً، ولْيُطَبِّقُوا حدوده الشرعية في حياتهم الدنيوية"[27]: ]فَاقْرءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ[[28].
وبالاختصار، هناك خمس نقاط مهمة في التفريق بين الأحرف السبعة والقراءات السبع[29]:
1. من ناحية المؤسس: مؤسس الأحرف السبعة هو النبي r، وأما مؤسس القراءات السبع هو الإمام ابن مجاهد (ت 324هـ) الذي قد اجتهد في جمع سبع قراءات للأئمة المشهورين في القراءة.
2. من ناحية الطبيعة والحقيقة: فطبيعة وحقيقة الأحرف السبعة هي القرآن نفسه، أما طبيعة وحقيقة القراءات السبع هي كيفية النطق بالقرآن. فالفرق بينهما كالفرق بين القرآن وعلوم القرآن.
3. من ناحية العموم والخصوص: فالأحرف السبعة أعم من القراءات السبع لأن الأحرف السبعة تشمل القراءات التي قرأ بها الرسول r وتشمل القراءات التي وصل إلى هؤلاء القراء السبعة وما نسخ قبل أن يصل إليهم.
4. من ناحية العدد: إن الأحرف السبعة محصورة في حقيقة العدد "سبعة"، أما القراءات غير محصورة في عدد معين، فقد وجدت القراءات العشر والقراءات الأربع عشرة.
5. من ناحية النشأة: نشأت الأحرف السبعة بنزول القرآن، أما القراءات السبع فنشأت في القرن الرابع الهجري باختيار الإمام ابن مجاهد.


[1]ابن منظور، لسان العرب، ج11، ص۱۷٦–۱۷٨.
[2]أبو حيان محمد بن يوسف، تفسير البحر المحيط، (د.م.: دار الفكر، ۱٤٠٣ﻫ/۱٩٨٦م) ج۱، ص ٤۱.
[3]بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، البرهان في علوم القرآن، (بيروت: منشورات مكتبة المصرية، د.ط.، د.ت) ج۱، ص319.
[4]الزرقاني،  مناهل العرفان، ج۱، ص٤٠٥.
[5]السيد رزق الطويل، في علوم القراءات، (مكة: مكتبة الفيصلية، ط1، 1405هـ/1985م) ص27.
[6]محمد الحبش، القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني والأحكام الشرعية، (بيروت: دار الفكر، ط1، 1419هـ/1999م) ص32.
[7]الفرش بمعنى الألفاظ القرآنية التي اختلف فيها القراء، والتي لا تندرج ضمن قواعد ومسائل أصول القراءة، وسميت بالفرش لانتشارها وتفرقها في السور؛ أحمد خالد شكري، وأحمد محمد مفلح القضاة، ومحمد خالد منصور، مقدمات في علم القراءات، (عمان: دار عمار، ط1، 1422هـ/2001م) ص127.
[8]الأصول في القراءات هي مسائل علم القراءات التي لها قاعدة معينة تندرج فيها الجزئيات، مثل: الإدغام، والمد، والإمالة، ونحوها، وقد يخالف بعض القراء القاعدة في كلمات يسيرة؛ شكري، والقضاة، ومنصور، مقدمات في علم القراءات، ص127.
[9]الشبكة الإسلامية، القراءات القرآنية، www.quranway.net موجود في الإنترنيت بتاريخ 12 يناير 2011م.
[10]الداني، الأحرف السبعة، ص61.
[11]صفية شمس الدين، المدخل إلى دراسة علوم القرآن، ص121.
[12]شعبان محمد إسماعيل، القراءات أحكامها ومصدرها، (القاهرة: دار السلام، ط4، 1429هـ/2008م) ص95-96.
[13]عبد الهادي الفضلي، القراءات القرآنية تاريخ وتعريف، (بيروت: دار القلم، ط3، 1405هـ/1985م) ص49.
[14]الزرقاني،  مناهل العرفان، ج۱، ص325.
[15]صفية شمس الدين، المدخل إلى دراسة علوم القرآن، ص119، 170.    
[16]الفضلي، القراءات القرآنية تاريخ وتعريف، ص49، 57، 59.
[17]الفضلي، القراءات القرآنية تاريخ وتعريف، ص33-36.
[18]محمد الحبش، الشامل في القراءات المتواترة، ص93.
[19]كوليبالي سيكو، طبيعة الاختلاف بين القراء العشرة وبيان ما انفرد بقراءته كل منهم من خلال إعراب القرآن وتفسيره، (رسالة جامعية من درجة التخصص العالي (ماجستير)،www.zawiah.com/kitab/al_ikhtilaf%20alqurra.doc  موجود في الإنترنيت بتاريخ 1 ينايير 2011م) ص119.
[20]أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، حديث رقم4706.
[21]السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، ج1، ص130.
[22]صفية شمس الدين، المدخل إلى دراسة علوم القرآن، ص101-102.
[23]صفية شمس الدين، المدخل إلى دراسة علوم القرآن، ص105.
[24]صفية شمس الدين، المدخل إلى دراسة علوم القرآن، ص109.
[25]أحمد بن حليم المعروف بابن تيمية، مقدمة في أصول التفسير، (بيروت: دار القلم، ط3، 1405هـ/1985م) ص390.
[26] الإسراء: 88.
[27]كوليبالي سيكو، طبيعة الاختلاف بين القراء العشرة وبيان ما انفرد بقراءته كل منهم من خلال إعراب القرآن وتفسيره، ص121.
[28]المزمل: 20.
[29]النقط بتلخيص أستاذنا الدكتور رضوان جمال الأطرش في المحاضرة بتاريخ 10 يناير 2011م الموافق 5 صفر 1432هـ.